مذكرات شاب انتحر من أجل حبيبته

مذكرات شاب انتحر
هلاااااااااا بكل أعضاء المنتدى حبايبي الكرام
كل الاحداث والكلام اللي في القصه حقيقه وحدث في مصر قبل سنة 1900 م .....
يروي هو بنفسه القصه
مريت في يوم من الايام على باب منزل صغير في أحد الأحياء الضيقة فشفت حوله جمعا حافلا تصطك فيه الاقدام بالاقدام وتمتزج فيه الانفاس بالانفاس وكان من بينهم رجال الشرطه وسمعت قائلا يقول : ( قبح الله الانتحار ) وآخر يقول : ( أحسبه شابا غريبا لأني لم ار عينا تدمع عليه ) فعلمت أن هناك شابا منتحرا وان هذا الحديث سبب هذا الاجتماع.
لم أقتنع بالمختصرفاحببت معرفة التفصيل فحاولت الدخول الى المنزل فما استطعت الى ذلك سبيلا فتريثت حتى لمحت رجلا من رجال الشرطه اعرفه فدخلت معه وهنالك رأيت على سرير الموت شاب في نحو العشرين من عمره رقيق الجسم أصفر اللون لم تستطع يد الموت أن تمحو كل آثار جماله بل بقيت منه بقية كتلك البقية من الطيب التي يستنشقها الانسان في الزهرة الذابلة.
اهتم الضابط بملابس هذا الشاب لعله يجد فيها ما يدل عليه واهتم الطبيب بجثته ليعرف سبب موته.....أما انا فجلست بجانبه جلسة الكئيب المحزون افكر في مصيبته واندب شبابه وجماله فلمحت حول سريره اوراق منثوره فجمعتها ووضعتها في محفظتي من حيث لايشعر الضابط ولا الطبيب بما افعل....علني اجد فيها عبرة من العبر.
وماهي الا ساعة حتى قرر الطبيب انه منتحر بشرب مادة الزرنيخ وقرر الضابط نقل جثته الى المستشفى فنقلت الجثه وانفض الجمع المزدحم ثم لم أعرف بعد ذلك عنه شيء.
خلوت بنفسي والاوراق فنثرتها فشفت مجموعة خواطر عاشق تناول كاس الحب بيده فارتشف منها الرشفة الاولى فوجدها حلوة المذاق فألصق الكأس بفمه واستمر يشرب لا يرفعها ولا يشعر بالمرارة المتجددة في جرعاتها حتى وصل الى الجرعة الاخيرة فاذا هي السم القاتل الذي قتله وذهب بحياته.
قرأت تلك المذكرات فبكيت بكاء شديدا رحمت نفسي منه ثم طويتها وألقيت بها بين أوراقي وظلت على ذلك أعواما طوالا.
وبينما أنا أقلب أوراقي ليلة أمس اذ عثرت بها في ملف صغير قد اصفر لونه لتقادم العهد عليه كما يصفن الكفن حول الجثة البالية فشعرت برعدة تتمشى في أعضائي وتخيلت أنها في هذا السفط شبح كاتبها في ذلك القبر.
ثم عدت الى نفسي فنثرتها للمرة الثانية وأعدت قرائتها فرأيت قلب العاشق مرسوما فيها رسما صحيحا في حال سعادته وشقائه وها أنا ذا أنشرها في الناس لتكون عبرة يعتبر بها المخاطرون بقلوبهم في هذا السبيل ( سبيل الحب القاتل ) :
- 1 -
رأيتها فأحببتها وماكنت أعرف الحب من قبلها
كان قلبي في ظلام حالك ما يشوف حتى نفسه فلما اشرق فيه الحب اشرقت فيه شمس ساطعه منيره لها من الشمس

كنت أشعر قبل اليوم كأن قلبي في صحراء هذه الحياة وحيد موحش لا يعرف القلوب او يعرفها ثم ينكرها
فلما احببتها رأيت بجانبه قلبا يؤنسه ويزيل وحشته فوجدت فينفسي اللذة والغبطة ما لو قسم على القلوب جميعا ما خالطها حزن ولا مسها ألم
كنت أسمع باسم السعادة ولا افهم معناها غير اني كنت اسمعهم اذا ذكروها ذكروا بجانبها القصر والحديقة والفضة والذهب والسلطة والجاه والشهرة والصيت
فلما احببت اعتقدت ألا سعادة في الدنيا غير سعادة الحب وايقنت ان الناس جميعا انما يطلبون سعادة الاجسام لا سعادة النفوس
فمثلهم كمثل الميت المكفن بالحرير والديباج وباطنه الدود ومرتع الهوام والحشرات.
- 2 -
أحببتها قبل أن أعرف عنها شأنا من الشؤون سوى انها تحبني فكأنني ولم أمنحها قلبي الا لانها منحتني قلبها وهو ثمن قليل في جانب هذه المنحة الغالية التي ما كنت احدث نفسي بهاولا كانت تستطيع ان تمثلها في عيني خواطر الاماني ولا سوانح الاحلام .
عشت دهرا بين اقوام لا يعنيهم امري ولا يهمهم شأني وذقت من آلام الحياة وشقاء العيش ما لا يستطيع تحمله بشر........سمعت من يقول لي كيف حالك ومن يقول لي ما اشد حزني لمصابك؟ ومن يتباكى بي واشفاقا علي ولكن لم ار بجانبي يوما من الايام عينا تدمع ولا قلبا يخفق!
رأيت من يحب جمالي كما يحب تمثالا متقن الصنع ومن يحب مالي كما يحبه في كيسه او خزانته ومن يعجب بحديثي اعجابهبرواية بديعه ولكن لم ار في حياتي من يحبني.
أما اليوم فقد وجدت بجانبي القلب الذي يخفق لأجلي والعين التي تبكي في سبيلي والنفس التي تحبني لا لشيء ( سواي )فقليل لها ان امنحها ( حياتي ) فكيف أبخل عليها ( بقلبي ) !
جلست اليها للمرة الاولى فحدثتني نفسي أن امد يدي الى يدها فأضعها على صدري لاطفىء بها غلتي فما لمستها حتى نظرت لي نظرة العاتب وقالت : كن رجلا في حبك واترك الطفولة لغيرك.
ان كنت تحبني لنفسي فها انت ملكتها علي واحرزتها من دونيوان كنت تحبني لهذه الصورة الجسمانية فما اضعف همتك . .. وما اصغر نفسك!
أتذرف دمعك وتسهر لياليك وتذيب سويداء قلبك من اجل عظمةتلمسها او جلدة تلثمها ؟
انت شريف في نفسك فكن شريف في حبك وأعلم انني ما احببت غير نفسك فلا تحب غير نفسي.
وما وصلت من حديثها الى هذا الحد حتى رأيتني قد صغرت في عين نفسي وتمنيت أن لو عجل الى أجلي قبل ان يمر هذا الخاطر الفاسد في ذهني.
ثم استوهبتها ذنبي فوهبته لي وماعدت من بعدها الى مثلها.
- 4 -
الآن عرفت مبلغ عظمتها وفضل هدايتها ومقدار ما يبلغه الحب الشريف من النفس فها أنا ذا أشعر كأن نفسي مرآة يغشاها الصدأ وكان الحب صيقل يصقلها فيجلو صفاتها شيئا فشيئا.
كنت احمل بين جوانحي لأعدائي ضعنا وحقدا فاصبحت لا اشعر بما كنت اشعر به من قبل لأن الحب ملك على قلبي واستخلصه لنفسه فلم يترك فيه مجالا لشيء سواه .
كنت شديد القسوه متحجر القلب لا اعطف على بائس ولا احنو على ضعيف فاصبحت اشعر بالمصيبة اراها تصيب غيري ولا تصيبني وأتألم لبؤس كل بائس وحزن كل محزون لان الحب أشرق في قلبي فملأه نورا فارتفع ذلك الستار الذي كان مسبلا بينه وبين القلوب.
وجملة القول انني كنت وحشا ضاريا أعيا العالمين رياضته وتدليله....فصرت بين يدي الحب الشريف انسانا شريفا وملكا كريما.
- 5 -
خرجت بها في الليل في ضفة النهر وكان الماء رائقا والسماء صافية وفي كل منهما نجوم وكواكب تتلألأ في صفحته فاختلط علينا الأمر حتى ما نفرق بين الأصل والمرآة ولا ندري أين مكان الماء من مكان السماء فمشينا طويلا لا ينبس احدنا بكلمه وكأن سكون الليل قد سرى الى أفئدتنا وملأ ما بين جوانحنا فأمسكنا عن الحديث هيبة واجلالا.
وكنت أشعر في تلك الساعة بخفة في جسمي وصفاء في نفسي حتى كان يخيل الي اني لو شئت ان اطير لطرت يغير جناح وان في استطاعتي ان اخترق بنظري حجب السماء وأنفذ الى الملأ الاعلى فأرى هنالك ماهو محجوب عن نظر الناس أجمعين وحتى صرت أتمنى ان يضل النجم سبيله فلا يهتدي الى مغربه وان يختبىء الليل في بردته فلا يعثر به فجره وأن تستمر مشيتنا هذه ما ضل النجم وما دام الظلام.
فالتفت اليها وسألتها : هل تشعر بالسعادة التي أشعر بها ؟
قالت: لا ..... لأني أعرف من شؤون الأيام وأحوالها غير ما تعرفولاني لا انظر الى الدنيا بالعين التي تنظر اليها !
انت سعيد بالامل وانا شقية بالحقيقة الواقعة.
انك سعيد لانك تظن ان سعادتك دائمة لا انقطاع لها وانا شقية لاني اتوقع في كل لحظة زوالها وفنائها.
انك ان استطعت ان توقف الشمس في كبد السماء وان تحولبين الارض ودورتها وان تمنع الساكن ان يتحرك والمتحرك ان يسكن فاضمن لنفسك استمرار السعادة وبقاؤها.
وهنا أمسكت عن الكلام وأطرقت برأسها طويلا فرأيت دموعها تنحدر على خديها بيضاء صافية كاللؤلؤ المكنون فبكيت لبكائها وقلت : لم تبكين ؟ قالت : خوف الفراق قلت : فراق الحياة او فراق الموت ؟
قالت : اما فراق الحياة فانني لا اخافه لانه لا توجد قوة في العالم تستطيع ان تحول بيني وبينك ......انما أخاف فراق الموت لأنه الفراق الذي لا حيلة لي فيه ولا منتدح عنه.
قلت : هل لك أن نتعاهد على ان نعيش معا ونموت معا
قالت : ذلك ما يهون علي ألمي فتعاهدنا ثم رجعنا أدراجنا والليليشمر أذياله للفرار من النهار ثم افترقنا على ميعاد.....وذهب كل منا في سبيله.
- 6 -
ألا يستطيع هذا الزمن الغادر أن ينام ساعة واحده عن هذا الانسان ؟
ألا يستطيع أن يستقيه كأسا واحدة لا يخالطها كدر ولا يمازجها شقاء ؟
ألا يستطيع أن يحرمه السعادة بتاتا فلا يذيقه من كأسها قطرة واحدة ما دام يريد أن يمنحه اليوم ليسلبه غدا ؟
ان الانسان لا يعجز عن احتمال الشقاء الدائم ولكنه يعجز عن احتمال السعادة المنقطة
يقولون : ان الامل حياة الانسان وما قتل الانسان ومزق شمل حياته الا الامل.
ليتني ما سعدت . . . لانني ما حزنت وشقيت الا بسعادتي وليتني ما أملت لان الياس القاتل ما جاني الا من طريق الامل الباطل.
ماتت الفتاة التي كانت شمس حياتي وأشعة آمالي وينبوع سعادتي وهنائي.
ماتت الفتاة التي كانت تملأ الدنيا جمالا وبهاء فمات بموتها كل حي في هذا الوجود.
أرى الأرض غير الأرض والسماء غير السماء وأرى النجوم آفلة والازهار ذابله والطبيعة واجمة حزينة لا يفتر ثغرها ولا يتلألأ جمالها وأرى الدنيا كأنما عادت الى عهدها الاول لا يسكنها انسان ولا يخطر بها حيوان وكانني فيها الانسان الوحيد المسكين يندب جنته ويشكو وحدته.
أيها الزمن الغادر : ان غلبتني عليها فانك لن تستطيع ان تغلبني عن نفسي..... لك ان تخرج من الدنيا من تشاء ولكن ليس لك ان ترد اليها من تخرج منها.
ويا أيتها النفس الهائمه في سمائها لا تجزعي ولا تعجلي فو الله لأوفي بعهدك ولأذهب بعد قليل وحشتك ليكون عهدنا في مستقبلنا كعهدنا في ماضينا فما تعارفنا في العالم الأول الا بأرواحنا